الثقافة المالية للمراهقين: دليلك لبناء وعي مالي يبدأ قبل الجامعة!

 

تُعد مرحلة المراهقة مرحلة مفصلية في تكوين شخصية الشاب أو الشابة، حيث تبدأ أولى ملامح الاستقلال المالي بالظهور، سواء من خلال المصروف اليومي أو المشاركة البسيطة في نفقات المدرسة والأنشطة. لكن في غياب التوجيه، قد تتحول هذه الحرية إلى إنفاق عشوائي يرسّخ سلوكيات مالية غير صحية تستمر إلى ما بعد الجامعة. 

 

إن بناء ثقافة مالية قوية في سن المراهقة ليس أمرًا سهلًا، لكنه استثمار طويل الأمد. فهو يزوّد المراهق بأدوات تساعده على التمييز بين الحاجة والرغبة، وفهم قيمة الادخار، واستيعاب تبعات الاقتراض، واتخاذ قرارات مالية واعية قائمة على التفكير لا على الاندفاع. 

 

أولًا: لماذا يجب أن تبدأ الثقافة المالية مبكرًا؟ 

المراهقون الذين يتعلمون أساسيات المال في سن مبكرة يطوّرون عادات مالية أكثر استقرارًا، ويكونون أقل عرضة للديون مستقبلًا. 

 

تشير نتائج اختبار PISA لعام 2022 إلى أن 18٪ من الطلاب بعمر 15 عامًا لا يمتلكون الكفاءة الأساسية في التعامل المالي، رغم امتلاك معظمهم حسابات بنكية أو بطاقات دفع. 

 

عندما نعلّم المراهق مبادئ بسيطة مثل تقسيم المصروف، والادخار المنتظم، وعدم الإنفاق بما يفوق الدخل، فإننا لا نعلّمه فقط إعداد ميزانية، بل نغرس فيه عادة التخطيط والمساءلة المالية، وهي مهارات سيحتاجها عند دخول الجامعة ثم سوق العمل. 

 

ثانيًا: الميزانية الأولى خطوة نحو الاستقلال 

الميزانية ليست حكرًا على الشركات أو رواد الأعمال، بل هي أول خطوة نحو التحكم بالمال الشخصي. 

 

يمكن تبسيط الفكرة للمراهق بسؤال عملي مثل: 
 لديك 100 دينار أسبوعيًا، كيف ستوزعها بين الطعام، الترفيه، والادخار؟ 

من المفيد أيضًا تشجيعه على كتابة ما أنفقه ومتى، مع شرح أن الفرق بين ما يُصرف وما يُدّخر هو ما يصنع مستقبله المالي. 

 
 هذا التمرين يعزّز مهارة اتخاذ القرار، ويحوّل المصروف من مبلغ عابر إلى أداة وعي وتخطيط. 

 

ثالثًا: تجربة الادخار والمشاريع الصغيرة 

أفضل طريقة للتعلم هي التجربة. 

 

يمكن تشجيع المراهق على الادخار لهدف محدد، مثل ادخار مبلغ أسبوعي لمدة شهر لشراء كتاب أو أداة تعليمية أو هدية يقدّرها. 

 

كما يمكن دعمه في تنفيذ مشروع بسيط، مثل بيع عصير أو منتج يدوي في المدرسة أو الحي. من خلال هذه التجربة، يتعلم كيفية حساب التكلفة والربح، والتعامل مع الآخرين، وتحمل المسؤولية. 

 

هذه الممارسات تزرع لديه قناعة بأن المال نتيجة جهد وتخطيط، وتغذّي روح المبادرة والاستقلالية. 

 

رابعًا: استخدام أدوات ذكية ومناسبة للمراهقين 

في عصر الرقمنة، تتوفر أدوات مالية مبسطة تساعد المراهقين على تنظيم مصروفهم بطريقة سهلة وآمنة. 

تطبيق RoosterMoney يتيح تتبع المصروف والادخار ضمن إطار واضح. 

 
 كما توفر تطبيقات مثل Greenlight وFamZoo بطاقات مدفوعة مسبقًا مرتبطة بالأهل، ما يساعد المراهق على فهم قيمة المال قبل إنفاقه. 

 

هذه الأدوات تمنح المراهق تجربة واقعية لإدارة المال دون تعقيد، وتجعله يرى الأثر المباشر لقراراته المالية. 

 

خامسًا: دور الأهل والمدرسة في بناء الوعي المالي 

لا يمكن ترسيخ الثقافة المالية دون دعم الأسرة والمدرسة. 

 

تشير دراسات منظمة OECD إلى أن المراهقين الذين يناقشون الأمور المالية مع والديهم يحققون درجات أعلى بنحو 12 نقطة في القراءة المالية. 

 

يمكن للأهل إشراك أبنائهم في نقاشات بسيطة حول ميزانية المنزل أو فواتير الخدمات، بينما تستطيع المدارس تنظيم ورش توعوية أو أنشطة تطبيقية تشرح مفاهيم مثل الميزانية والفرق بين الحاجة والرغبة. 

 

سادسًا: عادات ذهبية يكتسبها المراهق 

إلى جانب المعرفة، هناك عادات أساسية تعزز الثقافة المالية لدى المراهق، من أهمها: 

الادخار أولًا قبل الإنفاق، أي حجز مبلغ للادخار فور استلام المصروف. 
 

 التفكير قبل الشراء وطرح سؤال بسيط: هل أحتاج هذا فعلًا؟ 
 تبني رؤية طويلة الأمد، حيث يصبح الهدف من الادخار أكبر من الرغبة الآنية. 

 

هذه العادات تبني صرامة مالية مبكرة وتمنح المراهق ثقة واستعدادًا أفضل لمستقبله الجامعي والمهني. 

 

بناء الثقافة المالية في سن المراهقة هو استثمار حقيقي في المستقبل. من خلال تعليم المراهقين كيفية إدارة مصروفهم، وتشجيعهم على الادخار والمبادرة، واستخدام الأدوات المناسبة، وبوجود دعم الأهل والمدرسة، يمكن إعداد جيل أكثر وعيًا واستقلالًا ماليًا.